بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
عندما نتحدث عن الريميكات التي قدمتها كابكوم في السنوات الأخيرة فهناك أمر لا يلاحظه البعض بشكل كبير، ألا و هو أن كابكوم لا تعترف بمصطلح “Remake” بشكل علني أو على الأقل لا تردد هذه الكلمة في كل حين. و من الأشياء التي لاحظتها عندما بدأت بمتابعة الحملة الإعلانية للعبة Resident Evil 4 هو أن منتج اللعبة لم يذكر بأنها ريميك بل استخدم كلمة Re-imagine أي أنه من الأحرى بأن ننظر لهذه اللعبة على أنها إعادة تصور للعبة الأصلية. و من وجهة نظري فهذا التصور أكثر صحة من غيره حيث أننا لو نظرنا للعبة على أنها مجرد إعادة صنع فسيأتي مع ذلك العديد من المقارنات في جميع جزئيات اللعبة و تفاصيلها، و هذا ليس ما تهدف له كابكوم. لذلك من خلال هذه المراجعة سأتحدث قليلا عن التغييرات وسأجري بعض المقارنات من باب الملاحظة لا أكثر، و لكن بشكل عام فأنا أنظر لهذه اللعبة على أنها اقتباس للعبة الأصلية و ليس كأن المطور يحمل نظرة مختلفة لما كان يجب أن تكون Resident Evil 4 عليه، بل أنه يفترض ماذا لو أن اللعبة الأصلية صدرت بوقتنا الحالي. وبهذه الطريقة وجود الريميك لن يلغي وجود الأصلية أو يغطي عليه بأي شكل من الأشكال لأنه كما أسلفت، هو إعادة تصور للعبة الأصلية. و لكن على أي حال سأواصل بالإشارة له على أنه “ريميك” خلال المراجعة لأن هذا المسمى الأكثر تداولًا بين اللاعبين.

من الصعب تقييم كل تغيير طرأ على الريميك من ناحية الأمور التي أضافوها و أزالوها لأن الأمر ليس بتلك البساطة، فعند الحديث عن مناطق اللعبة مثلًا فهناك أمكان تمت إزالتها و أماكن جديدة تمت إضافتها، و كذلك أماكن تم دمجها مع بعض لتكون مرحلة واحدة. فكما نرى، اللعبة ليست مجرد نظرة عصرية لتلك التي صدرت في 2005، فالكم الهائل من التغييرات لم يغير من روح اللعبة و أساس تصميمها و هو أنها تركز على ميكانيكيات التصويب و التخلص من أمواج من الأعداء أثناء حصرك في غرفة معينة. على عكس ريزدنت إيفل 2 مثلا، التي لا تعتمد إطلاقا على التخلص من الأعداء و بدليل أن قتلك للزومبي في ريزدنت إيفل 2 لن يعود عليك بأي فائدة سوى أن تبعدهم عن طريقك. و هذا التصميم في ريزدنت إيفل 2 الأصلية استمر لريميك ريزدنت إيفل 2 أيضًا. لذلك فبغض النظر عن التغييرات و الإضافات فاللعبة لا تزال وفية بشكل كبير للعبة الأصلية في كل جوانبها، و حتى بعد نزول الريميك لازلت أرى بأن ريزدنت إيفل 4 الأصلية (2005) لعبة ممتعة و ليست متأخرة تقنيُا أو حتى على صعيد أسلوب اللعب.
من أكثر الجوانب التي ميزت اللعبة الأصلية هو تسلسل المراحل و التنوع في تصميمها. و الريميك لم يسلك الطريق السليم و الآمن بأن يبقى ذلك على حاله، بل قام بإجراء العديد من التغييرات على المراحل التي تتناسب مع أسلوب اللعب المحدث. و بنفس الوقت هناك مناطق في اللعبة بقيت على حالها بكل تفاصيلها، و ذلك كوّن نوع جديد من المتعة لا أتوقع بأنني سأواجهه في أي لعبة أخرى بوقت قريب، و هي متعة استكشاف التغييرات. كشخص حافظ للعبة الأصلية بجميع تفاصيلها (حتى بأماكن الأغراض و الذخيرة) كانت متعة استكشاف التغييرات و الأشياء التي بقيت على حالها هي المتعة المصاحبة لي في كل ثانية من اللعبة، كنت أشعر بفرح شديد عندما ألاحظ بأن هناك اشياء بسيطة جدا بقيت على حالها و لكن بحلة جديدة و كأنها جميعها عبارة عن رسائل مخفية من المطور الذي يعلم بأن هناك لاعبين يعرفون اللعبة أكثر من المطور نفسه.

و لكن عندما نتحدث عن أكبر التغييرات المؤثرة على اللعبة، فلا بد أن أذكر شخصية آشلي. للأمانة لم اجد آشلي في اللعبة الأصلية مزعجة بقدر ما يراه البعض و لكن أتفهم سبب ذلك الكره لها، من وجهة نظري فشخصية آشلي في اللعبة الأصلية لم تكن أكثر من Gameplay mechanic أي أن وجودها في اللعبة لم يؤثر سوى على أسلوب اللعب و كذلك إعطاء هدف رئيسي و مبرر لوجود ليون في مناطق اللعبة الغريبة و التي كانت جديدة على السلسلة حينها. أما آشلي كشخصية لم يكن لها أي حضور أو وجود يذكر، حتى أن ويسكر الذي لم يظهر سوى في عدة مكالمات مع إيدا في طور Separate Ways كانت شخصيته مؤثرة أكثر. و المطور على علم بأنهم إذا قرروا صنع ريميك للعبة فإن آشلي أكبر جانب من اللعبة يجب تغييره، فهم بالنهاية يقومون بإعادة تصور إحدى أفضل ألعاب الفيديو على الإطلاق. و بحكم أن مراجعتي متأخرة بعض الشيء فلا داعي بأن أعلمكم بأن شخصيتها تغيرت بشكل كامل (أو إن صح التعبير تم إعطاؤها شخصية) و تطبيق شخصية آشلي كان ممتاز جدا من الناحية القصصية، أما من ناحية أسلوب اللعب فلا زالت مزعجة بعض الشيء خاصةً و أن إعطاؤها الأوامر لم يعد مثل قبل. في اللعبة الأصلية كانت آشلي تتبعك أو تقف في مكان معين و كأنها روبوت يتبع الأوامر، أما الآن أصبحت تحركاتها ديناميكية أكثر حيث أن إعطاؤها الأوامر يعني بأنها إما ستتبعك بحذر و لن تأتي أمامك أو أنها ستركض في الخريطة بشكل عشوائي هربًا من الأعداء. و لعل أحد أهم التغييرات التي طرأت عليها هو أنها لا تملك عداد صحة خاص بها و لن تحتاج لمعالجتها إذا أصيبت و بالطبع لن تحتاج بأن تصرف عليها أي من النبتات الصفراء كما في الأصلية، و هذه إحدى أكبر التطويرات عن اللعبة الأصلية فذلك ينعكس عليك كلاعب بالراحة و التركيز على نفسك فقط.

من المعروف عن ريزدنت إيفل 4 بأنه الجزء الذي قام بتدشين عنصر الأكشن و الاستغناء عن التركيز على الرعب، على الرغم من أنني أرى بأن جزء كود فيرونيكا هو من بدأ الأكشن في أسلوب اللعب و بالتحديد الأسلحة، إلا أن ريزدنت إيفل 4 هي من قامت بالاستغناء عن أجواء الرعب المباشر و نقل ذلك إلى رعب نفسي عن طريق ملاحقة الأعداء لك و خلق أجواء تجعلك تهرب في معظم الأحيان. و بالطبع هناك مناطق مرعبة بنفس الأسلوب التقليدي. و الذي أثار إعجابي في الريميك هو أنه لم يسلك إحدى الطريقين وحسب، بل قام بأخذ جزئيات الأكشن في اللعبة و جعلها أكثر إثارة، و الجزئيات المرعبة في اللعبة جعلها أكثر رعبًا. أي أن الريميك كان وفيًا جدًا من ناحية توجه اللعبة الأصلية.
و لكن بالطبع هذا لا يعني بأن أسلوب اللعب من الأصلية لم يتغير، بل طرأت عليه تغييرات جذرية و لعل أبرزها هو السكين و نظام صمودها و إصلاحها، فهي الميكانيكية الأكثر تأثيرًا على اللعب خاصةً إن كنت تلعب على أعلى صعوبة متاحة عند البدء. رأيت الكثير يشتكي من سهولة انكسار السكين و عناء إصلاحها في كل مرة و كذلك تطويرها، و لكن بكل صراحة فوجدتها ميكانيكية موزونة فلا تنسى بأن 90% من هجمات الأعداء يمكن صدها بالسكين، و كذلك يمكن استخدامها لاغتيال بعض الأعداء من هجمة واحدة حتى و إن كان من نوع الأعداء الأكثر قوة من غيرهم. و بالحديث عن مستويات الصعوبة فلا بد من أن أذكر بأن صعوبة Hardcore و التي توصي بها اللعبة لمن قاموا بلعب اللعبة الأصلية هي في الواقع أصعب من هذا، فستواجه تحديًا كبيرًا في الكثير من مراحل اللعبة، و هذا يعزز من حاجتك للاقتصاد في مواردك و الحرص على جمع ما تستطيع من الكنوز و دمجها لتعطيك أكبر فائدة مادية ممكنة و بيعها، فهناك الكثير من المصاريف الآن على عكس اللعبة الأصلية مثل تطوير السكين و إصلاحها و كذلك الدرع و إصلاحه كل مرة و أشياء أخرى. بشكل عام الصعوبة في اللعبة لم تكن مشكلة و لكنها بالنسبة لي لم تكن متوقعة، و لذلك متشوق لأن أجرب الصعوبة الأعلى التي تتاح لك بعد التختيمة الأولى.

و بالحديث عن البيع و الشراء فأحد العناصر الأيقونية في اللعبة الأصلية هو التاجر، على الرغم من أن شخصيته ليست مؤثرة على قصة اللعبة و أحداثها إلا أنها مؤثرة على اللعبة بشكل عام لأنه يعتبر أحد ركائزها، و بعد أن رأيت المحاولة اليائسة لإعادة إحياء تأثيره هذا على هيئة الدوق في ريزدنت إيفل 8، كنت قلقًا بعض الشيء حيال كيفية توظيفه في الريميك، و النتيجة هي أنه لم يتغير بقدر ما أنه أصبح ثرثارًا أكثر من السابق مع المحافظة على شخصيته الأساسية و أسلوبه الأيقوني في الحديث.
أما بالنسبة لبقية الشخصيات في اللعبة، فبشأن ما سأقوله عنهم أود تذكيركم بأن اللعبة تحمل معها توجه مماثل للعبة الأصلية و لكنه مختلف في كيفية التطبيق، فإذا بقيت جميع الشخصيات و باقي عنصار القصة على حالها فما الفائدة من صنع ريميك للعبة لا زالت عصرية و يمكن الاستمتاع بها الآن؟ لذا كان لا بد من بعض التغييرات مثل تلك التي جرت على القصة و الشخصيات، و سأكتفي بالحديث عن الشخصيات دون التطرق للقصة نفسها لتجنب الحرق. بالعادة جميع أجزاء ريزدنت إيفل تركز على عدد محدود جدا من الشخصيات (ربما سأستثني ريزدنت إيفل 6 من هذه القاعدة) و لذلك فشخصيات اللعبة مؤثرة و لها حضورها لأن عددها قليل و اللعبة تركز على صقل تلك الشخصيات و تقديم أهدافها بشكل ممتاز، أما بالنسبة للريميك فكانت التغييرات منطقية إلا أنها لم تعجبني في بعض الأحيان مثل اللعبة الأصلية، و بالتحديد شخصيتي إيدا و سالازار. أما بالنسبة لشخصية ليون فهو لا يزال يحافظ على طباعه الساخرة و التي تظهر نضجًا كبيرًا عن شخصيته في ريزدنت إيفل 2.

قبل أن أنتقل للفقرة التالية أود أن أفصّل أكثر في أسلوب اللعب و التطويرات التي جرت عليه، فالحديث هنا لا يقتصر فقط على نظام التصويب في اللعبة، فالتحكم في اللعبة أصبح أكثر سلاسة و سهولة، مثل أنه يمكنك عمل Reload لسلاحك أثناء الركض و كذلك جمع الأغراض من على الأرض في آن واحد. أما بالنسبة للتصويب نفسه فهو أكثر متعة و أكثر تحديًا من قبل، فالآن لم يعد بإمكانك تطوير مدى دقة تصويب سلاحك بسهولة، فبغض النظر عن بعض الأسلحة عليك أن تجيد التصويب باحترافية خاصة إن كنت تهدف لإلحاق أعدائك بهجمات جسمانية مثل الركل. أيضًا الأسلحة في اللعبة كانت من الأشياء التي أسعدتني في الريميك فهناك أسلحة من اللعبة الأصلية توقعت بأنها لن تشق طريقها نحو الريميك لمدى المبالغة فيها، و لكن لم نحصل على نفس الأسلحة وحسب بل أيضًا هناك بعض الأسلحة الجديدة و الذي كان وجودها مفاجئ بالنسبة لي.
من أكثر الأشياء التي أبهرتني في الريميك هو الكم الهائل من التفاصيل و الأسرار التي تبين لك بأن اللعبة مصنوعة بحب و شغف، فهناك أسرار و طرق مخفية لإنهاء المراحل يصعب على من أنهى اللعبة مرة واحدة فقط اكتشافها، و كذلك كون خريطة اللعبة شبه إلزامية الآن فأماكن الكنوز مدسوسة بشكل عبقري و سيضطرك بكل تأكيد أن تحصل على الخرائط من البائع في كل مرة تتاح لك على عكس اللعبة الأصلية حيث لم تكن ذات فائدة كبيرة لأن الكنوز و الصناديق كانت واضحة و بأماكن مباشرة.
أيضًا لابد أن أشيد مرارًا و تكرارًا بمحرك RE Engine الرائع و الذي يبهرني بكل مرة ولكن لعل هذه المرة كانت حالة استثنائية لأنني أرى بعض المناطق من اللعبة الأصلية بأبهى حلة و بشكل مدهش بصريًا، و بالأخص في مراحل القصر و كذلك بعض المناطق من الجزئية الأخيرة من اللعبة. و أيضًا بيئات اللعبة تعتمد بشكل كبير على الإضاءة في مناطقها و أسيابها و هو أمر كان مدهش حقًا خاصةً في الأماكن المظلمة.

في النهاية لا بد أن أذكر أمرًا هامًا و هو أن تقييمي للعبة إن كان كاملًا فهذا لا يعني بأن اللعبة مثالية أو أنها خالية من العيوب، بل ما هو إلا انعكاس لتجربتي مع اللعبة. و في هذه الحالة لا أستطيع سوى أن أقول بأن تجربتي مع Resident Evil 4 كانت تجربة كاملة متكاملة. على الرغم من أن كابكوم هو المطور المفضل بالنسبة لي إلا أنني لا أثق به دومًا على عكس مطورين آخرين مثل FromSoftware و RGG Studio أو أي مطور لم يخيب آمالي إطلاقًا، بمعنى أصح حتى و إن كانت كابكوم تمر بذروتها الآن إلا أنني أتوقع منهم بعض الهفوات احيانًا (مثل ريميك ريزدنت إيفل 3). أما الآن فأعتقد بأن الأمر تغير، ريزدنت إيفل 4 أعادت ثقتي الكاملة بكابكوم. ربما أبالغ في هذا الكلام و أعترف بأن المقارنة السابقة غير منطقية لأن كابكوم ناشر ضخم و ليس استديو ألعاب واحد، و لكن طريقة تعاملهم مع الريميك و تقديم لعبة أصنفها كتحفة فنية تحافظ على رؤية اللعبة الأصلية بكل وفاء و بنفس الوقت تقدم العديد من التطويرات اللازمة و التغييرات الجريئة يعيد ثقتي بالشركة و يجعلني أتطلع لعناوينها القادمة أكثر من قبل. لا شك بأن هذه أهم سنة لكابكوم منذ فترة طويلة، فإصداراتها لهذا العام تتضمن عناوين هامة و كبيرة مثل ريزدنت إيفل 4 و لعبتهم القصصية الجديدة Pragmata و كذلك ستريت فايتر 6 و Exoprimal، و هناك بالطبع Dragon’s Dogma 2 من نفس مطور Devil May Cry و التي أتمنى فعلا بأن تصدر خلال هذه السنة.

الإيجابيات:
+ نظام التصويب ممتع و مطور عن اللعبة الأصلية
+ تنوع الأسلحة و استخداماتها و تطويراتها
+ مظهر اللعبة الرائع و توظيف ممتاز للإضاءة في مراحل اللعبة
+ تسلسل المراحل و تقديمها و التنوع في البيئات
السلبيات:
– تحركات آشلي اثناء مواجهة الأعداء قد تعيق حركتك و تشتتك
الخلاصة:
ريزدنت إيفل 4 هي مثال على الريميك المثالي لأنه لم يقدم تطويرات ضرورية فحسب، بل أيضًا حافظ على رؤية اللعبة الأصلية و لم يلغي وجودها أو يغطي عليها بأي شكل من الأشكال.
التقييم النهائي:
10/10
- 0 Comment
- غير مصنف
- 30 مارس,2023